الساعة البيولوجية فى الإنسان

    الساعة البيولوجية فى الإنسان

                             الأستاذ الدكتور مجدي دهب                         

                                    استشاري أمراض الأعصاب

      بمستشفى الأطباء المتحدون 


الساعة الحيوية أو البيولوجية (Biological Clock) فى الكثير من الكائنات الحية تنظم وقت النوم ووقت الشعور بالجوع والتغيرات في مستوى الهرمونات ودرجة الحرارة في الجسم. وتعرف التغيرات الحيوية والنفسية التي تتبع دورة الساعة الحيوية في 24 ساعة بالإيقاع اليومي ، و تعمل الساعة البيولوجية عند الإنسان حسب جداول زمنية ضرورية للحياة وللصحة. وللبشر إيقاعات بيولوجية يومية، وأسبوعية، وشهرية، وسنوية. ويختلف مستوى الهورمون والكيميائيات الأخرى في الدم على مدى هذه الفترات الزمنية. وكثير من عمليات الجسم الحيوية تتم بانتظام كل 24 ساعة وتتسق أنشطة الخلايا والغدد والكليتين والكبد والجهاز العصبي بعضها مع بعض، ومع إيقاع النهار والليل في البيئة.

يتغير المعدل الذي تتم به عمليات الجسم تدريجيًّا أثناء اليوم. وعلى سبيل المثال تختلف درجة حرارة الجسم بمقدار درجة واحدة خلال فترة الأربع وعشرين ساعة. وتبلغ درجة الحرارة أدنى مستوى لها في وقت الراحة بالليل، وترتفع في أثناء النهار، وهي الفترة النشيطة. ونصبح على أكبر قدر من الوعي بنظام التوقيت البيولوجي، عندما تسافر بطائرة نفاثة إلى مناطق يختلف فيها التوقيت. فإذا سافرت بالطائرة من أمريكا إلى انجلترا في وقت متأخر بعد العصر، فستصل لندن وسكانها على وشك أن يبدأوا يومهم. وعلى أية حال سوف يظل نظامك التناغمي يعمل حسب توقيت أمريكا. وحسب الوقت في لندن سوف تصاب بالأرق ليلاً، ويغلب عليك النعاس أثناء النهار. وسوف تعيد ساعتك البيولوجية توقيت نفسها، ولكن ذلك يستغرق عدة أيام. وبالتالي سوف تكون وظائف جسمك خارج الإيقاع، وتهبط كفاءتك، وتشعر بالتعب. ويسمى هذا تخلف النفاثة أو إرهاق النفاثة.

ويعتقد بعض الباحثين أنه كلما تم التحكم بطريقة أفضل في معرفة الساعات البيولوجية والإيقاعات البيولوجية، فسوف يساعد هذا العلماء في إيجاد الطرق لاستخدام الإيقاعات لمصلحتنا. وعلى سبيل المثال، ربما يستطيع الأطباء تشخيص المرض وهو في طوره المبكر بواسطة التغير في إيقاعات الجسم. ويعتقد العلماء أن الإيقاعات البيولوجية تؤثر في الوقت الذي ربما يحدث فيه المرض أو يشتد. وعلى سبيل المثال تزداد أزمات المصابين بداء الربو عند وقت النوم، وتحدث معظم نوبات الصرع في الصباح الباكر ، وتؤثر أيضًا الإيقاعات البيولوجية في مدى السرعة التي يؤثر بها الدواء والفترة التي يستمر فيها التأثير. وهكذا فإن معرفة الإيقاعات البيولوجية ربما تمكن الطبيب من إعطاء الدواء في الوقت الذي يزيد فيه احتمال استفادة جسم المريض منه إلى أقصى درجة ممكنة. وسوف يزيد التوسع في المعرفة العلمية للإيقاعات البيولوجية من نجاحنا في اكتشاف الفضاء الخارجي والحياة فيه.

إن ضبط هذه الساعة بطريقة صحيحة لتناسب نظام حياتنا اليومي مثل الذهاب إلى الدراسة أو العمل في الصباح، يجعلنا بغنى عن استخدام الساعات المنبهة و التي تثبت الدراسات يوما بعد يوم أن لها آثارها الجانية السيئة، و ذلك لكونها تجعلنا نستيقظ بطريقة مفاجئة في حال أن الاستيقاظ طبيعيا بدون منبهات يتم بطريقة تدريجية، و تقول بعض الدراسات الحديثة أن المنبهات الصاخبة قد تؤدي إلى سكتات دماغيةمفاجأة، مما يجعل استخدام ساعتنا البيولوجية أكثر أمانا، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن نثق بها أكثر من الساعات المنبهة التي قد تخذلنا في بعض الأحيان، و لا تقف فائدة ضبط الساعة البيولوجية على ايقاظنا من النوم فحسب إنما تجعل طريقة نومنا صحية و تضمن لنا عند الاستيقاظ شعورنا بأن المدة التى قضيناها في النوم كانت كافية، و ذلك ما نفتقده في كتير من الأحيان

لضبط ساعتك البيولوجية، اتبع الخطوات التالية:

  • حدد عدد ساعات النوم: حدد عدد ساعات النوم التي تفضل أن تنامها في كل ليلة لتكون ما بين 5 – 10 ساعات، و ذلك طبقا لطبيعة حياتك اليومية، حاول أن يكون عددها كاف ليأخذ جسمك الراحة المطلوبة و ذلك حسب طبيعة نشاطك اليومي، مع العلم أن ذلك لا يؤثر على  ضبط الساعة البيولوجية الخاصة بك، فالمهم هنا تحدديها وليس عددها.
  • قم بإطفاء جميع مصارد الضوء في مكان نومك: إن الساعة البيولوجية ما هي إلا خلايا عصبية في الدماغ، يتم ضبط نشاطها من خلال التأثير عليها بعوامل خارجية من الضوء و الظلام، كما يؤثر الظلام أيضا على عقدة عصبية تقع خلف العين، فبمجرد خفض الضوء تقوم  بتحفيز الجسم على خفض درجة حرارته، و بالتالي تنشيط هرمون الميلاتونين الذي يساعد على النوم، و قد نجد في ذلك تفسيراً منطقياً للدراسات التي تقول أن معدل النوم عند الأشخاص قبل اختراع المصباح الكهربائي كان 10 ساعات تقريبا.
  • ضع في دماغك الساعة التي تريد أن تستيقظ فيها: حاول أن توصل إلى ساعتك البيولوجية الوقت الذي تريد الاستيقاظ فيه، و ذلك من خلال التخيل البصري للساعة و التركيز على وقت الاستيقاظ الذي تخطط له و تأمل صوت المنبه الذي يدق في هذه الساعة و كرر ذلك عدة مرات قبل النوم، إذا اعتقدت أن ذلك لن ينجح فتذكر كم مرة ضبطت ساعة المنبه لموعد مهم و استيقضت قبلها بدقائق، فإن ذلك لم يحدث بفعل الصدفة، إنما بسبب اقناعك لدماغك بضرورة الاستيقاظ في هذه الساعة.
  • عرض جسمك إلى الضوء حال استيقاظك: فكما قلنا سابقا إن الخلايا العصبية التي تشكل الساعة البيولوجية تتأثر بالضوء و الضلام، و تأثرها بالضوء يحفز الجسم على ضبط هرموناته المتخصصة باليقظة.

إن تكرار هذه الخطوات على فترة زمنية قصيرة يساهم في ضبط ساعتك البيولوجية، و بالتالي ضبط ايقاع حياتك بطريقة مقنعة لك، تساعدك على التخلص من المشاكل اليومية التي تتعرض لها سواء عند الاستيقاظ صباحا، أو الارق قبل النوم

أين توجد الساعة البيولوجية؟

تمكن العلماء من رصد مكان الساعة البيولوجية بعد اكتشاف مجموعة من الخلايا العصبية تقع فى المهاد التحتى وسط المخ، تعرف بالنواة فوق التصالبية Supra Chiasmatic nucleus، ويبدو أنها مركز التحكم فى الإيقاع اليومى، وتتكون هذه النواة من جزأين، جزء يوجد فى النصف الأيمن من المخ، والجزء الثانى فى النصف الأيسر من المخ، وكل جزء يتكون من عشرة آلاف خلية عصبية ملتصقة بعضها ببعض، وتقوم على تنظيم الجداول الزمنية والتنسيق مع بقية الخلايا للوصول إلى ما يجب أن تكون عليه أنشطة الجسم على مدار اليوم.  وتوجد هذه النواة فوق نقطة التقاء العصبين البصريين فى قاع الجمجمة، حيث إن عمل هذه النواة يرتبط بالضوء الذى يعمل على خلق التزامن بين الساعة الداخلية ودورات النور.


إن المخ ليس العضو الوحيد فى الجسم الذى يحمل جينات هذه الدورة السركادية التى تتفاعل وتنسجم مع النوم والراحة بالليل، والعمل والاستيقاظ بالنهار، وإن الجينات المسماة PER وكذلك TIM ، Clock ، Cycle والتى تعطى الأمر بتكوين نفس أنواع البروتينات من أجل التحكم فى نظام الساعة البيولوجية ، قد تم اكتشافها فى خلايا أخرى من الجسم مثل خلايا الكلى وبعض أعضاء الجسم الأخرى، حيث يتم إفراز بعض هذه البروتينات بالليل عندما يحل الظلام، وتنخفض نسبتها بالنهار أو عند التعرض للضوء، والعكس صحيح بالنسبة للبعض الآخر، وقد تم إثبات هذه الحقيقة فى ذبابة الفاكهة والفئران، والإنسان لا يختلف عن المثالين السابقين من حيث التركيب الجينى للساعة البيولوجية فى جسمه. ومن هنا نصل إلى حقيقة هامة، وهى أن الخالق جل وعلا الذى خلق الليل والنهار، وجعل للإنسان خلال كل منهما وظيفة وأداءً معيناً، قد خلق أيضاً جينات الليل والنهار داخل كل خلية من خلايا جسمه، لتتناسب وتتناغم مع خلق الله فى الكون، لأن الخالق فى النهاية هو الواحد الأحد فى جميع الحالات “وهو الذى جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً”.

يزداد استهلاك الطاقة في النهار، بدليل ارتفاع حرارة الجسم نصف درجة، تزداد ضربات القلب في النهار من عشرة إلى عشرين ضربة، عما هي عنها في الليل، يزداد إدرار البول في النهار من ضعفين إلى أربعة أضعاف، يزداد نشاط الدماغ الكهربائي في النهار، تزداد لزوجة الدم في النهار، يزداد عدد كريات الدم البيضاء في النهار. أما في الليل، فيزداد هرمون النمو، إفراز هرمونات النمو تزداد في الليل، هرمونات الإخصاب تزداد في الليل، يقل استهلاك السكر في الليل ثلاثين في المئة عما هو عليه في النهار، تقل فعالية الجهاز التنفسي في الليل عما هي عليه في النهار.

ففي القلب هنالك ساعة خاصة به تضبط دقاته وفي الكبد هناك ساعة تضبط عملية تصفية السموم وفي الكلى ساعة خاصة لتنظيم عمليات التبول ولعل من العجائب ان نجد هذه الساعة موجودة لدى جميع الكائنات.. الفأر والنحل والفراشة والاسماك وهي موجودة أيضا في كل النباتات.. اذن.. فالله تعالى زود كل الاحياء بساعة دقيقة لضبط عملياتها الحيوية..

الساعة البيولوجية آلية شديدة الحساسية باستطاعتها استشعار التغيرات التي تجري في البيئة المحيطة بجسم الإنسان مهمتها تنظيم عدد من وظائف الجسم قبل النوم والتمثيل الغذائي والسلوك وتسير على ايقاع ثابت وعلى مدار 24ساعة يوميا بلا توقف يتم خلالها تنظيم عمليات الايض وانقسام الخلايا وانتاج الهرمونات الى جانب دورة النوم والاستيقاظ ومن خلال هذه الآلية يعرف الإنسان توقيت سلوكه طوال النهار بحيث يتأكد من أن كل عضو فيه يعطي خير ماعنده في الساعة المعينة للقيام بوظيفته التي ينتظر أن يقوم بها

 هل هناك عوامل تؤثر على كفاءة الساعة البيولوجية؟

هناك عوامل توثر إيجاباً على كفاءة تلك الساعة وأخرى تؤثر سلباً فقد تأكد باحثون من أن النوم في وقت الظهيرة الذي يسمى (القيلولة) يوثر إيجاباً على وظيفة الساعة البيولوجية للإنسان والحيوان ويجعلها اكثر دقة اذ يزداد تركيزها ودقتها بعد نوم ساعة واحدة في فترة القيلولة بينما كشفت الدراسات ان تغيير التوقيت الصيفي والشتوي يشكل عبئا كبيرا على الإنسان..وهناك دراسة علمية أظهرت ان سهر الأطفال يؤدي الى حدوث خلل كبير في الساعة البيولوجية في اجسادهم يظهر على شكل اضطراب نفسي وسلوكي أثناء استيقاظهم لذلك فالأطباء ينصحون الآباء بتنظيم أوقات نوم أبنائهم.

author avatar
Digital Media