علاج سرطان الثدي وعلاقته بالحالة النفسية للمريض؟

شَهِدَ عام 2018 ما يقارب من 627 ألف حالة وفاة عالمياً بسبب سرطان الثدي، ورغم ذلك لا يُعَدُّ من السرطانات المميتة، فهو في المرتبة الخامسة من حيث الوفيّات مقارنة بوجوده في المرتبة الثانية من حيث أكثر السرطانات انتشاراً على مستوى العالم، حيث تم تسجيل ما يقارب من 2 مليون حالة في العالم في هذا العام. فكيف يمكن أن نقوم بزيادة حالات الشفاء من هذا المرض؟

إحصائيات منظمة الصحة العالمية تقول أنّ البشرية يمكنها تجنب ما بين 30-50% من حالات الإصابة بالسرطان إن تجنبنا الأسباب. لكن وبما أنه صار واقعاً في بعض الحالات وبتنا نريد أن نزيد من حالات الشفاء فعلينا طرح السؤال المهم:

ما هي حالات السرطان السريرية؟

تتعدد الحالات بناءً على عاملين أساسيين:

  • ما هو حجم الورم؟
  • وإلى أين وصل الورم؟

والإجابة على هذين السؤالين هي التي تحدد مراحل الورم ومدى سوء حالة المريض، وبالتالي تساعد في تحديد العلاج ومعرفة مدى قابلية المريض للعلاج. وتنقسم المراحل إلى مرحلتين أساسيتين بأطوار مختلفة.

  1. المرحلة المبكرة (Early phase)
  • الطور الأول، وتكون فيه الخلايا الورمية صغيرةً جداً، لا تتعدى 2 سم، وعلى الأكيد لا يوجد امتداد في أجزاء الجسم الأخرى، ولا تكون العقد اللمفاوية مصابة. وهذا هو أفضل الأطوار التي تكون فيها قابلية المريض للشفاء أعلى، واستجابة الجسد للدواء أسرع.
  • الطور الثاني، تتراوح أحجام الورم في هذا الطور ما بين أكثر من 2 سم – 5 سم، وفي هذا الطور يمكن للغدد اللمفاوية المتواجدة تحت الإبط أن تكون مصابةً.
  1. المرحلة المتقدمة (Advanced phase)
  • الطور الثالث، في هذا الطور يبدأ الورم في الانتشار، لكن الانتشار ما يزال في محيط الثدي، كالعضلات في القفص الصدري، أو في جلد الثدي من الخارج، وعادةً ما يُلاحِظ المريض في هذه الطور احمراراً والتهاباً في غالبية الجلد في منطقة الصدر لدى الرجال أو في منطقة الثدي لدى النساء، قد يُحْدِث الورم في هذا الطور أوراماً في الرقبة، أو في الذراع. لكن لا يتواجد في هذه المرحلة انتشار بعيد للورم السرطاني.
  • الطور الرابع، هنا تكمُن الخطورة القُصوى، وللأسف، وبسبب عادات الخجل، أو الخوف، أو التأخر في مراجعة الطبيب لأي سبب كان فإن 70% من حالات سرطان الثدي لدى النساء خاصةً في العالم العربي تكون في هذا الطور.

في هذا الطور يبدأ الورم بالسباحة بعيداً في الجسم، منتقلاً عبر الخلايا اللمفاوية ليُكَوّن كتلاً مختلفةً في العديد من المناطق.

كيفية التعامل مع الورم في مراحله

97% هي نسبة الشفاء في مراحل السرطان الأولى، لكن ما الذي يحدث فعلياً:

في بدايات المرض وعند اكتشافه سواءً بإشارات إكلينيكية أو بعد فحوصات إشعاعية، يتم التعامل مع الورم في طوره الأولفقط بإزالة الغدد المصابة، أو بإزالة جزئية للثدي بُناءً على حجم الورم، ويتم أخذ جرعات من العلاج الهرموني، وأيضاً يتم إعطاء جرعة من الأشعة لقتل أي احتمال لبقاء غدد سرطانية، ثم يتوقف العلاج الإشعاعي بشفاء المريض.

هناك ملاحظتان مهمّتان:

  1. من المهم جداً معرفة أن تشخيص المريض بالأشعة لا يتم استخدامه إلا بعد أن تتعدى المريضة سن الأربعين، أما قبل ذلك فالفحص اليدوي هو الفحص الأولي الذي يعتمد عليه التشخيص المبكر.

لهذا، وللنساء خاصةً، مهما كان العمر عليكم فحص منطقة الثدي دورياً أمام المرآة، وعدم انتظار السن الذي يتم فيه استخدام التشخيص بالأشعة المعروف بالماموجرافي.

  1. إنّ التشخيص بالأشعة الذي يتم في سن الأربعين وما فوق يختلف عن العلاج الإشعاعي، فالعلاج الإشعاعي يتم في أي عمر في حالة تم تشخيص المريض بسرطان ثدي مؤكد مهما كان عمر الشخص وجنسه.

التأخير في التشخيص يحملنا للطور الثاني في المرض وهو ازدياد حجمه، وانتقاله للغدد اللمفاوية، هنا يتم أخذ العلاج الهرموني، وقد يبدأ العلاج الكيماوي -وذلك اعتماداً على حجم الورم- قبل الإشعاعي لتصغير الورم قبل العلاج، ومن ثم يبدأ الاستئصال، الترميم، والعلاج الإشعاعي.

في هذا الطور يبدأ الطبيب بإجراء أشعة عامة على جسد المريض أو المريضة لمعرفة مدى توسع رقعة هذا المرض. إذا اكتشف الطبيب أن المريض تَعدّى مرضه الإبط إلى الجلد نكون قد وصلنا للطور الثالث أي المرحلة المتقدمة، هنا يبدأ الطبيب بالعلاج الكيماوي هذه المرحلة يتم التعرف عليها سريرياً فهي تكون ظاهرةً في التشخيص بالعين دون الحاجة إلى اللمس أو التصوير، عادةً ما يكون السطح الخارجي للثدي متهيجاً بشدةٍ، إلى جانب شكوى المريض من العديد من الأوجاع.

نسبة الشفاء في هذه المرحلة أقل من 80% وهي تختلف باختلاف المكان.

قد يلجأ الطبيب هنا لاستئصال كامل للثدي، مصحوباً بالعلاجات الهرمونية ومضادات البروتين، لكن لا يتم الاستئصال إلا في حال أظهر جسد المريض استجابةً للدواء.

10-20% من المرضى في هذه المرحلة يتم شفاؤهم بشكل كامل، ويختفي المرض لديهم نهائياً، بعد تلقي العلاجات الإشعاعية اللازمة، وقد يتوقف المريض عن أخذ الجرعات، لكن تبقى المتابعات.

الطور الرابع، هو من أصعب المراحل في سرطان الثدي، المرض قد انتشر في أماكن بعيدة في الجسد، الكبد، العظم، الرئة، وغيره من الأماكن. الشفاء لا يتجاوز 10%. لكن هل هذا يعني اليأس؟ كل شيء بيد الله تعالى، والعلم يتطور سريعاً بشكلٍ يومي، الأجل مكتوب، وما الأدوية إلا أدوات نصل فيها للأجل الذي كتبه الله لنا.

في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم “إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”، هذا الحديث وإن كان ظاهره يحثنا على الزراعة فيمكن أن نستقي منه معاني محاربة اليأس حتى في أحلك الظروف، وأصعب ظروف المريض هو أن يُقال له حالتك متأخرة، لكن، ورغم ذلك لا يجب عليه أن يفقد الأمل، بل عليه أن يستمتع بحياته، ويحارب الصعوبات، وأن يَشكر الله ومن يدري؟! فلعل الله يُحْدِثُ بعد ذلك أمرا.

الاختلافات السريرية بين الرجال والنساء في سرطان الثدي

الهيكلية العامة لكلا الجسدين مختلفة، وبينما تتراوح أحجام الثدي عند النساء فإن أحجام الثدي عند الرجال متقاربة بدرجة كبيرة، ولهذا فإن الاستئصال للثدي عند الرجال يتم بشكل كامل، ولا يتم استخدام الجراحة الجزئية في العلاج.

باقي أنواع العلاجات الهرمونية، الكيميائية، والإشعاعية يتفق فيها الرجال والنساء.

بعض الحالات في الرجال يتم استمرار إعطاء العلاج الوقائي الهرموني لمدة خمس سنواتٍ بعد الشفاء من المرض، لإحداث توازن هرمونيّ.

الاختلافات بين المرأة الحامل والمرأة غير الحامل

عندما تصاب سيدة غير حامل بسرطان الثدي، فإن التشخيص والعلاج أسهل ممّا إذا أصيبت سيدة حامل به، فهنا لا بدّ أن نأخذ بعين الاعتبار المرحلة الجنينية للجنين، التدخل الإشعاعي والخزعات الملونة التي تستخدم الطب النووي لا يمكن استخدامها، وعادةً ما يلجأ الطبيب لاستئصال كامل للثدي والعقد اللمفاوية، لتفادي تطور الورم.

بالنسبة للأدوية والعلاج الهرموني فإن السيدة قد يُمنع عنها بعض الأدوية بشكلٍ كاملٍ أو تُمنع فقط في الثلث الأول من الحمل.

وهنا تعاني السيدة من الحمل ومن الأعراض التي تصاحب الأدوية العلاجية، ولا يتم إجهاض الجنين إلا في حال كون السرطان في طور متقدم جداً والحمل في مرحلةٍ مبكرةٍ جداً.

لا تلجأ السيدة للحمل مرةً أُخرى إلا بعد مرور خمس سنوات لآخر مرةٍ تم ملاحظة ورم فيها، ويجب أن تكون خلال هذه السنوات الخمس تحت إشرافٍ طبيٍ.

الخلاصة

سرطان الثدي، يعتمد تصنيفه على مرحلته، ويعتمد العلاج على تجاوب الجسد، تختلف الحالات السريرية للمرضى، ويتفاوت العلاج بتفاوت المسببات الأساسية للمرض، كلما كان الإنسان حريصاً على العناية بنفسه وصيانة النعمة التي وهبها الله له، كلما زادت نسبة الشفاء.

في كل الأطوار في المرحلتين المبكرة والمتقدمة، من المهم الاعتناء بالصحة العاطفية للمريض والمريضة، فإن أكثر ما يزعجهم هو الشكل العام للجسد بعد ذلك، ومدى تقبل الآخرين وشريك الحياة لهم، الصحة العاطفية وبقول منظمة الصحة العالمية من عوامل تقبل الجسد للدواء، وإذا تدهورت قد تتدهور معها حالة المريض.

أخيراً، كمريض سرطان، أو عائلة لأحد المرضى، علينا أن نعرف أن سرطان الثدي وعلاجاته تسبب المضاعفات الجانبية، حتى وإن حاول الطب السيطرة عليها، لكنها تحتاج إلى رعايةٍ واحتضان من العائلة، ومن الجيد عدم ترك المريض بمفرده. ويجب على المريض الاهتمام بصحته العامة من حيث المأكل، المشرب، الوزن، والرياضة، حتى لا تحدث مضاعفات أو تتراجع الحالة، وعليه تجنب العوامل التي قد تؤدي لعودة السرطان مرةً أخرى.

المصادر

السرطان، 2018، منظمة الصحة العالمية

http://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/cancer

رعاية المريض النفسية وأثره على صحة مريض السرطان، منظمة الصحة العالمية

http://www.who.int/ncds/management/palliative-care/en/

التوعية الشهرية بسرطان الثدي، منظمة الصحة العالمية

http://www.who.int/news-room/breast-cancer-awareness-month-abish-romero-s-story

النساء والصحة، مقارنةً بالرجال، منظمة الصحة العالمية

http://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/women-s-health

تصوير الثدي، 1992، فاليري أندولينا وآخرون. (بالإنجليزية: Mammographic Imaging, 1992, Valerie F. Andolina, & others)